السؤال
صديقي كان يملك شركة استثمار، وأطلق مشروعًا وجلب معه مستثمرين وضعوا أموالهم في هذا المشروع طمعًا في الأرباح. لكنه خسر، ولم يخبرهم بهذه الخسارة، بل كان يوهمهم بأنه يحقق أرباحًا، وكان أحيانًا يوزع عليهم أرباحًا صورية، ويتحايل في الحديث، على أمل أن يكسب وقتًا ليجد حلًا لمشكلة الخسارة ويُعيد للناس أموالهم.
لكنه لم يُوَفَّق، واستمر في الخسائر حتى اكتشفوا الحقيقة، وأنه لم يصارحهم من البداية. وقد حاول مرارًا حل المشكلة، حتى إنه استخدم مبلغًا كان قد تبقى معه، وجلب مستثمرين جددًا، وأخبرهم أن مشروعه يعمل، وذلك ليأتي بمزيد من المال. ثم حاول استثمار هذا المال في مشروع آخر لدى أطراف خارجية من دون علم المستثمرين الأصليين، على أمل أن يحقق أرباحًا يسد بها العجز ويعيد المال، فتعرض لعملية نصب وسُلب منه المال.
الآن، أصبح المستثمرون يرونه نصابًا، مع أنه تاب إلى الله من فعله، وأوقف كل شيء، وتوقف عن جمع الأموال أو جلب المستثمرين. وهو يستغفر كثيرًا، ولم يعد يملك شيئًا، ويدعو الله أن يفتح له باب فرج، ويغفر له، ويعينه على رد الأموال إلى أصحابها وردّ المظالم، فهو نادم جدًا، وقد عاد إلى طريق الله بصدق. لكنه لا يستطيع مصارحة أصحاب الأموال بحقيقة الوضع؛ لأنهم ما زالوا ينتظرون منه الوفاء، ويخشى إن أخبرهم أن يفقدوا الأمل، وتبدأ سلسلة من المشكلات التي قد تضرّ بالجميع. وهو يؤكد أنه لم يستخدم الأموال في أي منفعة شخصية، ولم يشترِ بها شيئًا لنفسه سوى الطعام، والشراب، وإيجار المسكن. ومنذ دخوله هذا العمل، وهمّه الأكبر كيف يحل مشكلته ويرد الحقوق لأصحابها. فهل يقبل الله توبته؟ وماذا عليه أن يفعل؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمضارب يَدُهُ يَدُ أمانة، فلا يضمن خسارة رأس المال إلا بالتعدي أو التفريط، والتعدي هو: أن يفعل في مال المضاربة ما لا يجوز له فعله، والتفريط هو: أن يترك ما يجب عليه فعله، باعتبار عرف أهل الخبرة في هذا المجال.
وعلى ذلك؛ فكل خسارة حصلت بسبب تعدي السائل أو تفريطه في أمور المضاربة، فهو ضامن لها. ومثال ذلك: أموال المستثمرين الجدد، الذين كذب عليهم وأخبرهم أن مشروعه يعمل؛ كي يأخذ أموالهم ليعوض خسارته السابقة!
وما وجب على السائل ضمانه، فهو دين في ذمته، لا يسقط إلا بأدائه، أو بإسقاط صاحب الحق له، أو إبرائه منه.
والعجز عن أداء هذا الحق لأصحابه لا يعني إغلاق باب التوبة، فباب التوبة مفتوح بفضل الله تعالى لكل إنسان، ما لم تطلع الشمس من مغربها، أو يعاين الموت ويتيقنه، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله -عزّ وجلّ- يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه الترمذي وحسنه، وابن ماجه، وأحمد، وحسنه الألباني.
فعلى السائل أن يأتي من شروط التوبة بما يقدر عليه، وهو الندم على ما مضى، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على عدم العودة إليها في المستقبل.
وأمّا رد الحقوق إلى أصحابها، أو طلب العفو منهم، فإن عجز عنه، فليعزم على فعله إن قدر مستقبلاً، وليلجأ إلى الله تعالى ليتحمل عنه تبعاته يوم القيامة، وليكثر من الأعمال الصالحة.
قال الغزالي في كتاب (منهاج العابدين) في بيان كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس، إذا كانت في المال: يجب أن ترده عليه، إن أمكنك، فإن عجزت عن ذلك لعدم أو فقر، فتستحل منه، وإن عجزت عن ذلك لغيبة الرجل أو موته، وأمكن التصدق عنه، فافعل، فإن لم يمكن، فعليك بتكثير حسناتك، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرع، والابتهال إليه أن يرضيه عنك يوم القيامة. اهـ. وراجع الفتوى: 259096.
والله أعلم.