الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قولون عصبي مزمن وغازات وآلام: ما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.

سؤالي -بارك الله فيكم-: منذ أكثر من 15 سنة وأنا أعاني من أعراض القولون، وقد أخبرني الطبيب بأنه القولون العصبي، لأني عندما أتعصب يحدث لي ألم شديد في بطني، وكأنني أريد أن أتقيأ، مع شعور بالتعب، عبر السنوات، كنتُ أحس بتعب من القولون، ليس ألمًا، وإنما غازات كثيرة جدًا، وأجريتُ منذ سنتين منظارًا للقولون، وتبيَّن وجود بعض الالتهابات غير معروفة السبب، تقريبًا في الجزء الأخير منه، وأخذ الطبيب أثناء المنظار عينة من الالتهابات وتم تحليلها، ووُجد -ولله الحمد- أنه التهاب عادي، مع العلم أنني أُعالج منذ سنين طويلة من أمراض نفسية: اكتئاب، وقلق، ووساوس شديدة -كما أخبرني بذلك الطبيب النفسي-، والآن توقفتُ عن العلاج النفسي.

أعراض القولون التي أحس بها هي غازات شديدة معظم الوقت، وخاصة وقت الصلاة، تقريبًا في 90% لا أستطيع الصلاة، إلَّا إذا دخلتُ الخلاء وأخرجتُ جزءًا ولو بسيطًا من البراز، حينها أخرج وأصلي، وهكذا في معظم صلواتي، مع العلم أنه لا تكون عندي رغبة في إخراج البراز، ولكن حتى تهدأ الغازات وأجلس في الخلاء، أضغط على نفسي (أحزق) من أجل أن أُخرج البراز، ولا يخرج بسهولة حتى مع الحزق.

ولإخراج البراز أحزق للبول، ولا أستطيع الفصل بينهما، وربما يكون ذلك من القلق، مع العلم أن الطبيب النفسي أعطاني دواء (سيبرالكس، Cipralex) ولكنه غالي الثمن، وكنتُ أتعاطى قبله (فلوكسيتين، Fluoxetine)، وطبيب القولون كان يكتب لي أدوية (دايجيست إيزي، Digest Eze ) و(كلوكسيد، Cloxide)، وأحيانًا يعطيني (ليبراكس Librax)، وأخذتُ دواء الفحم، ولكنه يسبب لي إمساكًا شديدًا، وهناك عرض يزعجني، وهو أنني بعد أن أُخرج الغازات وأنا خارج الحمام، بعد خروج الغازات بثوانٍ، أجد أن فتحة الشرج تنفتح قليلًا، ويخرج غاز ليس له صوت ولا ريح، وإنما أحس به.

أريد أن أعرف ما هي حالتي، وخاصة أن الطبيب أخبرني أن أتأقلم مع الحالة، وهل هذا نتيجة ضعف في عضلات الشرج أم لا؟ مع العلم أنني أُخرج الغازات بإرادتي، لكن ما يخرج بعد خروج الغازات لا أعلم ما هو.

في كل شتاء، أحس أن هناك ألمًا في فتحة الشرج، فأذهب إلى جرَّاح فيعطيني أدوية وأتعافى -ولله الحمد-، وفي هذه السنة تعبتُ، فذهبتُ إلى الطبيب فأخبرني أنه شرخ مع خُرَّاج، وأعطاني أدوية، مضادًا حيويًا، و(فاكتو، Faktu) ومطهرًا معويًا، وتحسنتُ -ولله الحمد-، ثم عاد لي التعب؛ فذهبتُ إلى الطبيب وأخبرني أنه التهاب في أوردة الشرج، وأخبرني أن الأوردة عندي حساسة، وأعطاني دواءً تحسنتُ قليلًا، لكن ما زال هناك ألم، فهل هذا له علاقة بالقولون أو بالالتهابات التي كانت نتيجة المنظار؟ وهل أُعالج الحالة النفسية أولًا، أم أذهب إلى طبيب الجهاز الهضمي؟

دلوني بارك الله فيكم، وجزاكم خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكما تعلم -وكما أحسستَ أنت خلال هذه السنوات من تعايشك مع المرض- هناك علاقة وثيقة بين أعراض القولون العصبي والحالة النفسية، فزيادة القلق والتوتر تزيد الأعراض وتتردد، فتزداد في فترة معينة وتخف في أخرى، أو تزول لفترة معينة وتظهر مرة أخرى فيما بعد.

ويلاحظ معظم المرضى أن الأعراض تزداد مع القلق واضطراب الحالة النفسية، كما أنهم يشعرون بالتحسُّن أثناء الإجازات، وفي فترات استقرار الحالة النفسية، وقد لاحظتَ أنت ذلك أيضًا، فلا بد أن القلق يراودك في أوقات الصلاة؛ لذا تزداد عندك الأعراض في هذا الوقت، وتشعر وكأنك بحاجة للتبرّز، ولا يخرج إلَّا القليل، وهذا القليل من الغائط تشعر وكأنه ساعدك على القيام بواجبك تجاه الصلاة، ومن ناحية أخرى، فإن الأعراض قد ترتبط بأنواع معينة من الأغذية والأطعمة، كالحليب والبهارات والفلفل والبقوليات، وتختلف من مريض لآخر.

تفهم المريض لهذا المرض يفيده في التأقلم معه، وهو أن هذا المرض ليس عضويًا، بمعنى أننا لو تفحصنا الأمعاء لوجدناها سليمة، ولهذا فإن الفحوصات التي يجريها لك الطبيب، غالبًا ما تكون نتائجها كلها سليمة.

هذا المرض مزمن، وقد يستمر معك طوال العمر، فعليك أن تصبر وتحتسب الأجر عند الله، وتحاول أن تتكيف مع أعراض المرض، ومهما طالت مدة المرض معك، فهو لن يؤدي إلى أي مضاعفات أو أمراض أخرى، فهو لا يؤدي إلى التهاب أو سرطان، أو غير ذلك.

العلاج هو علاج الأعراض، والابتعاد عن الأمور التي تزيد الأعراض، سواء التوتر والقلق أو أطعمة معينة، ومهم جدًّا أن تعرف أن أعراض القولون العصبي -من آلام وغازات وإسهال- قد يكون سببها التهاب القولون، إلَّا إن الالتهابات التي وُجدت في المنظار لم تكن من التهابات القولون التقرحية، أو من التهاب الأمعاء المزمن من نوع (كرون، Crohn)، وكذلك كانت الأعراض عندك مرتبطة بوضعك النفسي، ومدة المرض 15 سنة، دون أن تسبب أي مشاكل، فإن كل ذلك يشير إلى أن المشكلة عندك هي قولون عصبي، وليس التهاب قولون مزمن.

أمَّا عن سؤالك عن الريح التي تخرج دون شعور، فلا بد وأنها بقايا الغازات التي لم تخرج؛ فإن كان عندك التهاب في الأوردة في الشرج -كما ذكرتَ- فإنها تعيق الإحساس في المنطقة، بحيث يمكن أن تخرج قطع صغيرة من البراز مع الريح دون أن تحس بها، وكذلك يمكن أن تخرج بعض الغازات دون أن تشعر بها تمامًا، وكما ترى فإن القلق له دوره الكبير عندك في ظهور الأعراض.

وبالله التوفيق.
_____________________________________________
انتهت إجابة المستشار د. محمد حمودة -أخصائي الأمراض الباطنية-، ولإتمام الفائدة واكتمال الجواب تم عرض استشارتك على المستشار النفسي د. محمد عبد العليم، فأجاب قائلاً:
_____________________________________________

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

العلاقة بين القلق النفسي والقولون العصبي علاقة وثيقة ومؤكدة، ولا شك في ذلك، وحتى كلمة "العصبي" أو "العصابي" أتت نسبةً لأن معظم الأعراض العضوية تكون ذات منشأ نفسي، وأهم سبب للقولون العصبي هو القلق أو الاكتئاب النفسي، وليس بالضرورة تكون الأعراض أعراض قلق واضحة، ولذا سمى بعض الناس هذه الحالات بحالات (القلق المقنع)، (Masked depression)، حيث إن القلق لا يظهر بأعراضه الكلية، إنما تظهر هذه الأعراض الجسدية؛ لذا نعتبر هذه الحالات من الحالات النفسوجسدية.

لا شك أنه لديك بعض التداخل الكبير في الأعراض، حتى تشكل لديك ما يمكن أن نسميه: درجة بسيطة من الوساوس القهرية، خاصة فيما يتعلق بخروج الريح وآلام الشرج، هذه ربما تكون التهابات -كما ذكر لك الطبيب- قد تسببت في ذلك، ولكن بعد ذلك -ونسبةً لقابليتك للقلق وللحساسية النفسية- أصبح الأمر يشكِّل هاجسًا لك؛ ممَّا كوّن لديك اجترارات فكرية قلقية حول هذا الموضوع، وهذا يعتبر نوعًا من أنواع الوساوس القهرية، والوسواس القهري هو في الأصل نوع من القلق النفسي، وليس أكثر من ذلك.

أرى أن العلاج النفسي مهم في حالات القولون العصبي، وهنالك أمر رائع حدث لكثير من الذين يعانون من هذه الحالات، إذا أخذوا بالرزمة العلاجية الأخذ الكامل، وأول ما أريد أن أنصحك به هو أن لا تتردد كثيرًا على الأطباء، فهذه الحالة معروفة ومشخصة، وحين أقول لك: لا تتردد على الأطباء، لا أعني أن تهمل نفسك طبيًا، ولكن التنقل من طبيب إلى طبيب ومن تخصص إلى تخصص، يجعلك أكثر قلقًا ووساوس، ربما تطمئن للحظة أو لأيام قليلة حين تقابل الطبيب، ولكن بعد ذلك تبدأ الاجترارات مرة أخرى، وأفضل وسيلة هي أن تذهب إلى طبيبك الخاص -طبيب الأسرة- مرة واحدة كل ثلاثة أو ستة أشهر، وتجري فحوصات عامة، هذا هو الأفضل.

ثانيًا: ممارسة الرياضة وُجد أنها ذات قيمة عالية في علاج أعراض القولون العصبي، والقلق المتعلق به، أريدك أن تعطي الرياضة أهمية خاصة في حياتك، أي نوع من الرياضة: المشي، الجري، لعب كرة القدم، المهم أن تكون هناك قناعة من جانبك بفعالية هذا النوع من العلاج، وأن تكون هنالك مواصلة لذلك.

ثالثًا: لا بد أن تغير الهيكلة النفسية لديك حول ذاتك، قل لنفسك: (ما الذي يجعلني أقلق؟ هذه متعلقة بالقلق، يجب أن أتجاهلها، يجب أن أجعل حياتي أكثر فعالية، لن أترك للقلق مجالًا لأن يعطلني ويعيقني، لا بد أن أعيش الحياة بقوة، لا بد أن أعيش المستقبل بأمل ورجاء)، وهكذا، هذه الهيكلة الجديدة للحالة النفسية، وبناء صورة إيجابية عن الذات، لا شك أنها تساعد كثيرًا.

الجزء الأخير في العلاج: أرى أن العلاج الدوائي مهم جدًا وفعال، وأفضل دواء أنصحك به هو الدواء الذي يعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل، Dogmatil) ويعرف علميًا باسم (سولبيريد، Sulipride)، ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة في الصباح، وكبسولة في المساء لمدة عام، ثم بعد ذلك خفضها إلى كبسولة واحدة في الصباح لمدة ثلاثة أشهر، يتميز الدوجماتيل بأنه دواء جيد لعلاج القلق، وهو دواء سليم جدًا، ويعرف أنه دواء ذو فعالية خاصة في علاج أعراض القلق، التي تسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي.

بجانب الدوجماتيل، أنت في حاجة لعلاج مضاد للقلق أيضًا والوساوس القهرية، والـ (فلوكسيتين، Fluoxetine) يعتبر دواء جيدًا، لكنه مكلف نسبيًا، وأنا أود أن أصف لك دواء آخر ليس مكلفًا، يعرف تجاريًا باسم (فافرين، Faverin) ويعرف علميًا باسم (فلوفوكسامين، Fluvoxamine)، دواء جيد وتكلفته غير كبيرة، ويمكنك أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجرامًا ليلاً، ولا بد أن تتناوله بعد الأكل، وبعد شهر ارفع هذه الجرعة إلى مائة مليجرام ليلاً، واستمر عليها لمدة سنتين، ثم خفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم يمكنك التوقف عن تناول الدواء.

العقار البديل للفافرين، عقار يعرف تجاريًا باسم (زولفت، Zoloft) أو يسمى تجاريًا أيضًا باسم (لوسترال، Lustral) ويسمى علميًا باسم (سيرترالين، Sertraline)، والجرعة المطلوبة هي خمسون مليجرامًا لمدة سنتين، يمكنك أن تجد السيرترالين تحت مسميات تجارية أخرى، وهو ليس مكلفًا مقارنة بالـ (سيبرالكس، Cipralex).

أؤكد لك أن الوساوس يمكن أن تُهزم ويمكن أن تُعالج، وذلك بتحقيرها، وأن تحاول أن تهزم وساوس الوضوء والصلاة، وأن تبني دائمًا على اليقين، ولا تبنِ على الشك، وإن شاء الله بمساعدة الدواء وما وصفناه لك من إرشادات، سوف تجد أن حالتك قد تحسنت.

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً